قطب الأئمة الشيخ امحمد بن يوسف اطفيش

[بابكر بوصديق]

قطب الأئمة الشيخ امحمد بن يوسف اطفيش

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
قطب الأئمة الشيخ امحمد بن يوسف اطفيش
(1237- 1332هـ- / 1818- 1914م)

ترجمته

في مدينة غرداية العريقة بشمال صحراء الجزائر، ولد الشيخ امحمد بن يوسف بن عيسى بن صالح اطفيش لقبا ،وهومن عشيرة آل باامحمد ببني يزقن، وينتهي نسبه إلى الحفصيين بتونس.
والده من أعيان زمانه، مارس التجارة في شمال الجزائر ثم في ميزاب .
وأمه هي السيدة : مامه ستي بنت الحاج سعيد بن عدون، من عشيرة آل يدر ببني يزقن ، وكانت من خيرة نساء زمانها.
توفي الوالد قبل أن يرى ابنه يدرج إلى حلقات العلم ، وهو يتمنى أن يكون أحد علماء زمانه ،إذ كثيرا ما ذكره لأصدقائه ،
فشمرت الأم عن ساعدالجد لتربية ابنها وتحقيق الآمال المرجوة فيه .
أسرته:
للقطب اطفيش ثلاثة إخوة ذكور : موسى وعيسى تاجران ، وابراهيم عالم وهو شيخه ، وقد توفيت له شقيقتان في صغره، وذلك حين نشأته الأولى بغرداية.
وما لبثت أن عادت به الأم بعد وفات الأب إلى موطنه الأصلي بني يزقن، وقد حظي بالرعاية الكافية والحنان طوال حياته مع أمه.
تعلمه:في سنة 1224هـ -/1823م ألحقته أمه بإحدى الكتاتيب القرآنية ، فتخرج فيها حافظا لكتاب الله ولما يبلغ التاسعة من عمره، فتكونت لديه شهية عجيبة للقراءة والكتابة، ورغبة ملحة في حضور مجالس العلماء، وغشيان حلقاتهم في دور العلم وفي المساجد، وقد أتاح الله له الفرصة في أن يحضر كثيرا من حلقات العلم لمشايخ عصره في واد مزاب منهم:
1. أخوه الأكبر ابراهيم بن يوسف، وذلك أوان رجوعه من رحلته المباركة في طلب العلم بعمان ومصر والمغرب، وقدأخذ عنه أكثر المبادئ العلوم التي نبغ فيها .
2. الشيخ الحاج محمد بن عيسى ازبار، بعدما رجع من عمان ، وقد حضر دروسه بمسجد بني يزقن.
3. الشيخ الحاج سعيد يوسف ويتن، ببني يزقن .
4. الشيخ سليمان بن عيسى عدون، حضر دروسه في مسجد بني يزقن.
5. الشيخ بابا بن يونس، في المسجد العتيق بغرداية ،ويذاكر معه في غار بجبل موركي .
6. الشيخ الحاج أحمد بن داود امعيز .
وفي أوقات الفراغ كان يغشى المكتبات ويلتهمها التهاما ، حتى إنه كان إذابدأ في دراسة فن من العلم عند أحد المشائخ،
أتمه وحده، وطلب الإنتقال إلى كتاب أوسع في ذلك الفن.
زواجه:
تزوج القطب ثلاث نسوة وجمع بينهن، وهو أب لتسعة أولاد، ويعتبرزواجه مدرسة من المدارس التي ساهمت في تكوينه، فثلاثتهن من بنات العلماء ذوات الصلة بالعلم والكتب،وماأعزها في ذلك الزمان.
كفاحه في سبيل العلم وخدمة الشريعة :
لم يلبث القطب أن فتح خلال تكوينه العصامي المتواصل جبهات متعددة لإعلاء كلمة الله : من نشر العلم وتعليمه، وخدمة الشريعة ونصرتها، ومحاربة البدع والرذائل ، وذلك بكل إخلاص وتفان وثبات.
فلخص بالذكر من بين آثاره العلمية والعملية :
1. التدريس ونشر العلم: فتح القطب داره للتعليم ولما يبلغ العشرين من عمره ، واستمر على ذلك إلى أن وافته المنية،
فتوالت على حلقاته العامرة طيلة حياته التعليمية حشود من الطلبة من جميع قرى واد ي مزاب، وورجلان، وجربه،


وجبل نفوسة . فكانت دروسه تستمر طيلة أيام الأسبوع ما عدا يوم الجمعة.
وطريقته في ذلك هو أن يكلف لكل فن من فنون العلم طالبا يختص به ليقرأ النص – نص الكتاب المدرس – أمامه في حصة الدرس، فيشرحه للحاضرين ، يتولى الشيخ التعليق والشرح ، وهو لا يمل من التكرار والتوضيح ، حتى يفهم الطلاب .ويقول تلميذه الشيخ ابراهيم بن بكير: << إنه كان يجمع في النصف الأول من النهار في المسجد والمدرسة بين عديد من الفنون في حصص >>، وغالبا ما يعتمد في التدريس الكتب التي ألفها، فإن لم تكن فإنه يقرر إحدى الكتب في ذلك الفن أو يألف لهم >>.
فقد كان رحمه الله رجل علم وبحث وتحقيق وكتابة.
2. الفتاوى: يخصص الشيخ الفترة المسائية من كل يوم للإجابة عن الأسئلة الفقهية، والنوازل التي توجه إليه من داخل مزاب وخارجه،ومن داخل الجزائر وخارجها:كعمان ،وليبيا،وتونس،وزنجبار،وحت ى من اسطنبول ومصر.
وعند ما تقدم به السن اتخذكتابا لتحرير الأجوبة ،ومن هؤلاء نذكر: الشيخ الحاج سليمان مطهري،والشيخ حموبابه وموسى رحمهم الله.
3.الوعض الإرشاد:
لقد انضم القطب إلى حلقة العزابة بمسجد بني يزقن في زمن الشيخ الحاج سليمان بن عيسى عدون، فارتقى في مهام الحلقة إلى أن تولى مشيختها خلفا لشيخه الحاج محمد ازبار المتوفى 1872م 1296هـ ،فأصبح
يلقي دروسا في المسجد بعد صلاة الصبح إلى شروق الشمس حسب العادة المتبعة، يتعرض فيها لاستنهاض الهمم ونشر التعاليم الإسلامية ومحاربة البدع ،الآفات الإجتماعية، فتمكن بذلك من تقويم المجتمع ودفعه إلى جادة القرآن الكريم، والسنة النبوية،وسيرة السلف الصالح.
4.التأليف:أثناء هذا العمل الدؤوب كان القطب – رحمه الله – يخصص الحض الأوفر من وقته للتأليف والكتابة، فهو فارس قلم وكتابة كما كان رائد علم وتربية،لايستريح من النظر إلاإلى التحقيق،ولا من البحث إلا إلى التأليف والتعليق، فهو يعي
الوعي كله بأنه :<< يذهب العقل ويبقى أثره ، ويفنى العلم وتبقى كتبه>>- كما قال الجاحظ -.
وقد كان يستغل الفترة الليلية لمهام التأليف، عندما تهدأ الأصوات وتسكن الحركات.
ويقول أحد تلامذتة، وهو الشيخ أبو اليقظان:<< إنه لم يكن يألف كتابا بعد كتاب، بل كان يألف عدة كتب في فنون المختلفة في وقت واحد، إذا مل من فن روح عن نفسه في مؤلف آخر، وهاكذا إلى أن ينتهي >>.
وقد كان يؤلف في الحضر والسفر ، في وقت الشدة والرخاء ، حفاظا على وقته الثمين ،ولا يفوته مع هذا حضور الصلوات الخمس في المسجد مع الجماعة، وحث تلاميذه على ذلك أما اليوم الأخير من الأسبوع- يوم الجمعة – فقط اتخذه راحة يقضي نهاره في بستانه أحيانا، وفي العشرية الأخيرة من عمره ألحق به يوم الخميس ليوفر للتأليف أوقاتا أكثر وجهدا أوفرا.
رحمه الله تعالى وجازاه الجزاء الأوفر

تابع
7
7
7
7
7
7
7
7
7


المواضيع المتشابهه:

• أحسن القصص > يوسف عليه السلام
• أنشودة رائعة جدا * لك الحمد حمدا نستلذ به ذكرا *
• أخبار السد القطري يفتقد جهود مهاجمه يوسف أحمد
• كتب الشيخ أحمد ديدات
• الشيخ الوقور وركاب القطار

المصدر: منتديات توات العربية العالمية - من قسم: منتدى الإسلاميات

---

r'f hgHzlm hgado hlpl] fk d,st h'tda hlpl] hgado h'tda d,st

[بابكر بوصديق]

5- مكانته العلمية :
تمكن القطب بفضل عصاميته المتمكنة ، وعزيمته الصادقة ، وإخلاصه الشديد ، وطموحه الواسع ، من الوصول إلى درجة الإجتهاد ولم يتجاوز الستين من عمره .
وقد أشار في إحدى تآليفه إلى هذا المعنى ، فقال :<< وقد كنت أجتهد بالقياس على أصل أمامي ، ولا أكاد أصيب إلا قولا يوافق ما قلت والحمد لله ، ثم إنتقلت عن هذه الدرجة إلى ما فوقها والحمد لله >>
ويقول الشيخ أبو اليقظان : << ناقش علماء الحرم وتباحث معهم فشهدوا له بالتفوق العلمي>>
يعني بذلك : الشيخ زيني دحلان ، والشيخ حسبي الله الشافعي ، والشيخ ابراهيم حق الحنفي ، والشيخ عليش المالكي .
وقد عرف الشيخ محمد عبده المصري قدر القطب فعظمه واحترمه وقد جاء ذلك في بعض المراسلات كانت بينهما .

6 - مراسلاته ورحلاته :لم يخرج القطب من بلده ميزاب إلا عندما سافر إلى البقاع المقدسة لأداء فريضة الحج ، وقد كان ذلك مرتين الأخيرة منهما في أوائل القرن، وقد زار في طريقه بعض الحواضر العلمية مثل : جامع الزيتونة في تونس ، والجامع الأزهر بمصر ، وألقى دروسا في الحرم المدني .
وكانت له زيارات محلية يقوم بها في فصل الخريف والربيع إلى القرارة وبريان و ورجلان لنشر العلم وترسيخ العقيدة في أوساط العموم لبعدهم عن الإتصال به ، وعن مقر عمله ، مع نقص وسائل الإتصال وندرتها آنذاك . وقد ولع بالمراسلات العلمية مع علماء وملوك عصره ، ومع أنصاره في الجزائر ، وفرنسا
ولندن ، ومصر زن والحجاز ، وزنجبار ، وعمان ، البحرين ، وتركيا ، وجبل نفوسة ، وليبيا، وتونس
والمغرب الأقصى ، كما زاره بعض من أعيان زمانه مثل سليمان ابن الناصر المكي أمير دار السلام بزنجبار 1900م، الزعيم سليمان الباروني باشا ، وكان قد تتلمذ على الشيخ في فتوته.

7- وفاته :
بعد هذا العمل الجبار في الحقل العلمي ، والصراع المرير محاربة للجهل والرذيلة اختاره الله إلى جواره الكريم في فجر يوم السبي 23 ربيع الثاني 1332هـ - 21ماري 1914م عن عمر يناهز 96عاما
بعد مرض خفيف وحما ألمت به لبعض الأيام ،فبكاه القريب والبعيد والعدو والصديق ، واهتز عرش العلم والدين لفقده وغيابه ، وتنافس الخطباء والشعراء في ذكر مناقبه الجليلة ، ومآثره العظيمة ولا يزالون. وضريحه معروف في مقبرة بامحمد ببني يزقن تغمده الله برحمته الواسعة ،

8- آثاره من بعده
من آثار القطب في مسيرته العلمية والعملية المباركة نذكر:
أ – في التدريس: تخرج في حلقاته العامرة مشائخ وأئمة ، ودعات وأساتذة ، وقضات ومجاهدون ، فهؤلاء إما تلقوا عنه العلم مباشرة أو بواسطة تلامذته. من الجزائر وتونس وليبيا وعمان وزنجبار ، وقل أن نجد من المشايخ من تهيئ له من الطلاب والعلماء الذين بلغوا الأمانة وواصلوا المسيرة العلمية بعدهم مثلما تهيأ للقطب رحمه الله .

[نور سليمان]

جزاكم الله خيرا